الأحد، 8 مايو 2011

مؤامرة الفوضى الخلاقة وإسقاطاتها على مملكة البحرين

أرضية

رغم أني لا أؤمن بنظرية المؤامرات ولا أحب الحديث عنها كثيراً.. ولكنا واقعون بين مطرقة من يؤمن بتلك النظرية بتطرف وعصبية..وسندان من لا يؤمن بها إطلاقاً ويبرر تلك المؤامرة على تخلفنا نحن العرب والمسلمين..وكلاهما مصيب في جزء ومخطئ في آخر..وما يجري اليوم ضد العالم الإسلامي والعربي تحديداً هي مؤامرة بلا شك على الدين الإسلامي والهوية العربية..فلا أحد يستطيع إنكار اتفاقية سايكس بيكو مثلاً التي تآمر الغرب فيها علينا.. ولا أحد ينكر مخططات القوى الاستعمارية ضد الدول العربية على مدى سنين طوال.

وفي الآونة الأخيرة زاد طرح استخدام مصطلح (الفوضى الخلاقة)..وهي مؤامرة جديدة قديمة حيكت من أمريكا كالعادة على العرب.. وقبل ذلك..لمعرفة نظام خط سير الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مبسط يجب أن نعرف بأن هناك العديد من النظريات والسيناريوهات الموجودة لدى صناع القرار الأمريكي والتي حيكت من قبل استراتيجيين عباقرة كهنري كيسنجر وقبله برنارد لويس وغيرهما.. فمنها ما يدعو لتطبيع العلاقات مع العرب ومنها للتدمير..الخ.. فتأتي كل إدارة لتقرر استخدام سيناريو معين..ومن المعروف بأن الجمهوريين هم من يستخدم أداة الحرب..فجميع الحروب الأخيرة التي اندلعت منذ الثمانينات أقامتها الإدارة الجمهورية ثم يأتي الديمقراطيين لإكمال هذه الحرب أو إنهاءها كما حصل في حرب العراق الأولى والثانية وحرب أفغانستان (لاحظ كلها من قبل بوش الأب والابن الجمهوريين)..وقد ارتأت إدارة بوش الابن أن تأخذ بالسيناريو الخطير الذي سنتحدث عنه في هذا المقال...وهو ما يسمى (الفوضى الخلاقة).

تنظير

تعرف الفوضى الخلاقة بأنها "فلسفة سياسية تعمل على تحويل دولة إلى حالة من الفوضى بحيث يتم تدمير أو تقليل سلطة القانون التي تربط المجتمع الواحد في الدولة.. وتخلق هذه الفوضى حالة جديدة من النظام وتفرض أمراً واقعاً يكون هدفه الرئيسي عادة إسقاط النظام السابق".

وتعتمد نظرية الفوضى الخلاقة في الأساس على ما أسماه المفكر صمويل هنتجتون بـ"فجوة الاستقرار" وهي الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.. فإن انعدمت الحرية الاجتماعية والاقتصادية مثلا وكان الفساد مستشرياً في الدولة.. فسيكون من الصعب عليها الاستجابة لأي مطالب شعبية إلا بالمزيد من الفوضى التي ستقود في نهاية الأمر إلى استبدال قواعد اللعبة واللاعبين.

وهنالك نظرية أخرى مرتبطة بنظرية الفوضى الخلاقة ومشتركة معها..وهي نظرية (دول القلب ودول الثقب)..حيث قسمت أمريكا العالم إلى دول القلب أو المركز وهم أمريكا وحلفائها.. وصنفت دول العالم الأخرى تحت مسمى دول الثقب أو الفجوة.. وهذه الدول مصابة بالحكم الاستبدادي.. أو الأمراض والفقر..أو الحروب الأهلية.. أو النـزاعات المزمنة.. ومنها الدول العربية والإسلامية طبعا.. وهذه الدول ستصبح بمثابة مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين... وبالتالي فإن على دول القلب ردع أسوأ صادرات دول الثقب والقضاء على منابع الخطر فيها.. ثم تكتمل النظرية بضرورة تواجد قوى خارجية تتدخل للسيطرة على الوضع وإعادة بنائه من الداخل.. ثم تختم النظرية بقولهم (نحن- أي أمريكا- الدولة الوحيدة التي يمكنها ذلك).

فلا تهدف نظرية الفوضى الخلاقة إلى إزالة الدولة إزالة تامة.. بل أن هدفها يقوم وفقًا لإستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء وفقاً للهوى الأمريكي في اختيار إدارة موالية حتى النخاع للإمبريالية الأمريكية.. ويتم تطبيق هذه النظرية على أي دولة تريد أمريكا السيطرة عليها عن طريق إذكاء الصراعات الأيديولوجية أو العصبية أو الطائفية من خلال ضرب استقرارها الأمني وخلخلة وضعها الاقتصادي والتعبئة والتحريض الإعلامي على تلك الدولة...وقد كان المشروع الأمريكي للمنطقة يقتضي ضرب الاستقرار وإعادة الترتيب من جديد.. وذلك بضرب مشروع سايكس بيكو ورسم حدود المنطقة من جديد.. بتفتيتها وتجزئتها أكثر وأكثر بما يحقق مصالح أمريكا وإذكاء نار الصراع والخلافات الطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية في العالم العربي لتهيئة وتبرير التجزئة وبناء شرق أوسط جديد يخدم أمن إسرائيل من جهة ويحافظ على سيطرة الولايات المتحدة عليها لقرن قادم من جهة أخرى.

وأرجو ألا يذهب القارئ بعيداً في تفكيره بحيث يربط هذه النظرية بما جرى من ثورات..لأن الثورات العربية الشريفة أربكت هذا المخطط نوعاً ما.. فاضطرت أمريكا لمسايرة ومجاراة تلك المتغيرات..لهذا وقفت ضد بن علي وحسني مبارك منذ البداية.

تأريخ

في ظني أن هذه النظرية مرت بمراحل عدة..وهي:

المرحلة الأولى: بداية التنظير

لا يوجد في الواقع تاريخ محدد لبداية هذا المخطط...لكن يتردد أن الكونجرس الأمريكي وافق عليه في جلسة سرية في العام 1983 وبعدها تم وضعه في أجندات السياسة الأميركية إلى أن عاد الحديث عنه خلال السنوات العشر الماضية.. وهناك رأيي آخر يربط هذه المخطط بخطة برنارد لويس لتفكيك العالم الإسلامي.. وبرنارد مستشرق بريطاني الأصل.. يهودي الديانة.. صهيوني الانتماء.. أمريكي الجنسية .. مولود في 1916م...وقد نشر روجيه جارودي في مقدمة كتابه (الأساطير الإسرائيلية) خطة الحرب المنشورة سنة 1982 التي تقتضي تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية.. وتقسيم السودان.. وتقسيم مصر.. والسعودية والشام..الخ.

المرحلة الثانية: التنفيذ الأول
في البداية كانت أمريكا حريصة على أمن واستقرار الخليج باعتباره منبع النفط... ولكنها جربت حرب العراق في 1991 ثم استنزفت أموال الخليج (الأرقام توصلها لمئات المليارات).. ثم أدركت نجاح تلك التجربة التي عادت عليها بامتيازات مالية واقتصادية عدة من هذه الحرب..ثم استخدمت أمريكا المرحلة التالية للخطة التي تكمن في السيطرة على نفط الخليج واحتلاله بشكل غير مباشر من خلال إقامة حروب أخرى.

المرحلة الثالثة: التنفيذ الثاني
بعد أن رأت أن الفوضى جاءتها بالخيرات بعد حرب العراق الأولى...حاولت أمريكا نقل هذا المخطط للمرحلة الرئيسية منه.. وهو التجربة الفعلية لهذا المخطط.. وهو ما لم يجرؤ على تنفيذه إلا المحافظون المسيحيون الجدد في أفغانستان والعراق حربا.. وفي السودان سلما عن طريق بوش الابن..فأرادوا تطبيق هذه النظرية في العالم الإسلامي والعربي.. وجميعنا يعلم ما قاله بوش الابن بأن حربه على الإرهاب ستكون (حربا صليبية).

المرحلة الرابعة: التنفيذ الثالث
في 2003 أرادت أمريكا تطوير وتقنين هذه النظرية بشكل أكبر..فقامت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة رايس مع عدد من صناع القرار بذلك..وقد بدأ تفعيل هذا المخطط منذ قيام بوش بإعلانه عام 2004 خلال اجتماع مع زعماء دول مجموعة الدول الصناعية الكبرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا وكندا واليابان وروسيا) ..وقد أطلق بوش على هذا المخطط الشرق الأوسط الكبير.. الذي يضم إلى جانب الدول العربية كلا من إسرائيل وباكستان وإيران وأفغانستان وتركيا...ثم تحدث عن المشروع رسمياً بعد الموافقة عليه في 2006 ..حيث يبدأ المخطط في 2008 وينتهي في 2015.. وتم وضع خلطة سحرية أضيفت لهذا المشروع.. وهي التهديد بالمنظمات الدولية ومحكمة العدل الجنائية لمحاكمة رؤساء الدول المارقة التي لا يخضع رئيسها لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية (عمر البشير مثالا).. وما يريد الشيعة اليوم محاكمة ملك البحرين هي محاولة استنساخ تجربة البشير لترويع حكام الخليج الباقين.

أما عن تفصيل هذا المخطط فيرمي المخطط لتقسيم الدول العربية إلى دويلات وشظايا صغيرة.. خصوصاً السعودية ومصر.. وقد بدأ هذا المخطط كما ذكرنا بالسودان ونجح للأسف في تفكيكها.. أما المرحلة التالية فهي:

1. تقسيم مصر لدولة في شمال سيناء تضم غزة..ودولة تضم أقباط مصر (لاحظ الفتنة التي تندلع يومياً هناك بين الأقباط والمسلمين.

2. إلغاء دول الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة.. ومحو وجودها الدستوري بحيث تتضمن شبه الجزيرة والخليج ثلاث دول فقط هي : دولة الإحساء الشيعية... وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان
والبحرين...والثانية دولة نجد السنية...والثالثة هي دولة الحجاز السنية... وفي هذا المخطط بالذات اتفقت أمريكا مع حليفها الاستراتيجي (إيران) لإقامته.


3. أما العراق فالمخطط يستهدف تفكيكها على أسس عرقية ودينية ومذهبية..بحيث تكون 3 دويلات الأولى شيعية في الجنوب حول البصرة... والثانية سنية في وسط العراق حول بغداد...والثالثة دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي حول الموصل (كردستان).

المرحلة الخامسة: مفاجئة الثورات العربية

جاءت الثورات العربية على نحو مفاجئ لهذا المخطط.. ولكن الدهاء الأمريكي لم يسمح لها بمعارضة الثورات الشعبية.. بل حاولت خلاله مطابقة مخططها بالحراك الشعبي المنتشر.. فوافقت فوراً على تنحي بن علي..ووافقت على تنحي حسني مبارك.. وما إن رأت حجم هذه الثورات حتى توقف العمل في ليبيا واليمن وسوريا ..خوفاً من نجاح الثورة هناك..لأنه من المعلوم بأن جميع هذه الدول سيسيطر الإسلاميون فيها على الحكم..لذا هي تماطل اليوم في القضاء على القذافي.. ثم تحولت أمريكا للخليج.. فقامت بتغطية إعلامية ضخمة لثورة البحرين..وأججت شيعة السعودية ولكن وعي الشعب السعودي وحركة الدعاة هناك أسهمت في إخماد الثورة السعودية.. بينما قامت الثورة في البحرين بدعم صفوي وبرعاية أمريكية.

فالبحرين للأسف هي رقبة الأضحية التي سيبدأ تحريك السكين عليها لتحقيق هذا المخطط الذي توافقت عليه إرادتا أمريكا وإيران على احتلال الخليج.. حيث بدأت التغييرات الأمريكية في التعامل مع حكومة البحرين منذ 2006..أي بعد إعلان المخطط...وتم الاتفاق مع إيران على التخطيط لهذا الأمر.. فتم تجنيد العملاء الإيرانيين داخل البحرين.. ونلاحظ بأنه في نفس العام دعا عبد الوهاب حسين ومشيمع الشيعة لحمل السلاح على الدولة.. وحدثت في نفس العام توترات وتفجيرات وتصعيد متعمد بعد تأكد حصولهم على الدعم الأمريكي.. ثم مع مرور الوقت..ومع بداية التنفيذ الفعلي للمخطط الأمريكي الصفوي في 2008 تم اكتشاف الخلية الإرهابية التي ترمي لقلب نظام الحكم في البحرين.

ولكن بضغوط أمريكية أوروبية تم العفو عن تلك الخلية أثناء الثورة الحالية.. وعن هذه الثورة نلاحظ حجم التآمر الأمريكي ضد البحرين من خلال ما ذكرناه في المقال السابق..لهذا بعد فشل هذا المخطط بفضل الله أولا وأخيرا.. ها هم قد انتقلوا للخطة ب التي تلتف مرة أخرى لإسقاط البحرين للحكم الفارسي..فلا يزال المشروع قائماً.. والمؤامرة مستمرة حتى سقوط دول الخليج في الحكم الفارسي.

ولهذا نعود ونكرر للمرة المليون حول أهمية الكنفدرالية فوراً كخطوة أولى.. فهي أهم وأفضل الحلول للدفاع عن عروبة ووحدة الخليج العربي.. لأن وحدتنا وقوتنا في اتحادنا معاً.. وليس في التحالف مع النفاق الأمريكي..أو المكر البريطاني.. أو المصالح الأوروبية.. ولكن يبدو بأن الله ابتلانا بحكام لا يسمعون أنين الشعوب.. ولا يرون تمدد الغول الصفوي على أراضيهم.. ولا يعتبروا مما يجري لهم.. فدول لم تنهي خلافاتها الحدودية البسيطة..ودول تتصارع من أجل الرياضة والفساد الأخلاقي لا يمكن أن تتعض.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وعليه نوجه ندائنا لشعوب الخليج أجمع بأن يعلنوها حملة إعلامية مليونية ضخمة تبدأ من اليوم يكون شعارها.. معاً نحو الكنفدرالية.. يشترك فيها الجميع للضغط على حكام الخليج لتحريك هذه العجلة في اجتماعهم القادم المزمع عقده يوم الثلاثاء ..والله الموفق.


د.حسن الشِّيَخي
8 مايو 2011
Hasan.shiakhi@hotmail.com

هناك 5 تعليقات:

  1. ابو العبد من السعودية

    حفظك الله من كل مكروه مقالاتك في الصميم ولو حب>ا ان تكون لك مقاطع فيديو لما لها اهمية كبيره في سهولة نشرها وتقبلها من جميعا اطياف المجتمع وايظا اننا امة اقراء ونحن لانقراء ولا حتى ان فهم ما يحيط بنا
    وارجو تجعل مقالاتك ومقاطعك في المستقبل >ات طابع ديني وهو اساس كل شئ
    وشكرا من القلب

    ردحذف
  2. حفظك الله ياشيخ تاج والله على روسنا اللى يوضح امور يجهلنا شباب البحرين,, وجعله الله في ميزان حسناتك...

    ردحذف
  3. بصراحه استمتعت بقراءه ما يحدث
    لكن دعونا لا نضخم من امريكا ونصدق افلام هوليود
    وكأن كل ما يحدث في العالم مُدبر مسبقاً
    نعم امريكا والدول الغربيه من مصلحتها ان تتحول الدول العربية في الشرق الأوسط كإفريقيا حالياً حروب ودمار
    ولكن هذا لا يعني ان نُصدق ان كل ما يحدث هو بفعل فاعل
    امريكا واستخباراتها عجزت ان تتنباء بالثورات العربية وهي صفعه للغرور الامريكي الهوليودي ^_*

    ردحذف
  4. بصراحه استمتعت بقراءه ما يحدث
    لكن دعونا لا نضخم من امريكا ونصدق افلام هوليود
    وكأن كل ما يحدث في العالم مُدبر مسبقاً
    نعم امريكا والدول الغربيه من مصلحتها ان تتحول الدول العربية في الشرق الأوسط كإفريقيا حالياً حروب ودمار
    ولكن هذا لا يعني ان نُصدق ان كل ما يحدث هو بفعل فاعل
    امريكا واستخباراتها عجزت ان تتنباء بالثورات العربية وهي صفعه للغرور الامريكي الهوليودي ^_*
    فرسطون المملكة

    ردحذف
  5. عفواً قراءه المقال وليس قراءه ما يحدث
    ماذا دهاني ؟ !

    ردحذف