قد يستغرب البعض سبب عودتي للكتابة بعد هذا الانقطاع الذي طال بالرغم من الأحداث الكثيرة التي حدثت في البحرين والخليج وأحداث سوريا الدموية...إلا أن العنوان انتقل إلى الإمارات..ولكي أكون صريحاً مع قرائي الأعزاء..فإن أحداث البحرين لم يستجد فيها الكثير..فهي عبارة عن سيناريوهات مكررة وأحداث تعتمد على ما يجري في الخارج..وهي مرحلة انتظار العديد من الأمور..فأصبح السياسي المبتدأ قادر فيها على قراءة العديد من الأحداث..التي ملخصها أن البحرين تنتظر مع دول الخليج وتوجه عينها تجاه آخر مستجدات الاتحاد الخليجي وأسسه وقواعده..والعين الأخرى على ما يجري في سوريا والذي سينعكس بالضرورة على مجريات الأحداث في الخليج.
الثورة المزعومة التي قادها عصابات الصفوية بهتت واختفت وأصبحت مملة لأتباعها قبل رافضيها..بل إن وسائل الإعلام العالمية لفتت الأنظار عنها وتركتها بعد افتضاح العديد من الأمور..لذا نجد من يحاول إعادة إحياء الميت داخل وخارج البحرين كنبيل رجب أو حسن نصر اللات أو مقتدى الصدر..ولكن لا يدري هؤلاء أن ثورتهم قد انتهت بفشل ذريع..وافتضاح لا مثيل له لتاريخهم الأسود الذي ازداد سواداً.
نعود للعنوان الرئيس لهذه المقالة..وهو ما يجري في الإمارات..الدولة البوليسية الاستخباراتية الكبرى في دول الخليج..والتي تنفق المليارات تلو المليارات لتطوير أجهزتها الاستخباراتية التي تعد غولا ينتشر بين أهلها.. والتي أضحت مثالا يحتذى به في المنظومة الأمنية..ولكي أقطع الشكوك على المتصيدين في الماء العكر فأود أن أؤكد للجميع بأني لا أقصد الإساءة لحكام الإمارات أو شعبها..ولكني أتحدث عن شلة استخباراتية أمسكت الإمارات بقبضتها الحديدية وحرمت شعبها من أبسط الحريات العامة.
شعب الإمارات بطبيعته السمحة والكريمة والبسيطة ميال للتدين والالتزام..وهذا ما كان عليه سابقاً وإلى اليوم..وقد انتشرت الحركات الإسلامية بكثرة في الإمارات وخاصة فيما يسمى اليوم (حركة الإصلاح) والسلفيون كذلك..وكان نشاطهم مميزاً جداً من فترة الثمانينات..وكانت علاقة الإصلاحيين بالسلطة الحاكمة هناك علاقة قوية وترابط كبير..وكان هناك دعم كبير يقدم لتلك الحركات..إلا أنه وفي بداية التسعينات حدث أمر غَيَّر مجريات الأحداث..ألا وهو زيارة الرئيس المخلوع المسجون حالياً محمد حسني مبارك للإمارات..فقد زارها مع وفد من كبار أجهزته الاستخباراتية.. والتقى مع قادة الدولة واستخباراتها لينفخ نافخ الكير ويكذب ويدلس ضد هؤلاء المسالمين ويصور الأمر على أنهم شلة تريد أن تنقض على الحكم..وزين لهم عمله في مصر من سجن وتشريد لأصحاب الفكر الإسلامي..وما كان من بعض قادة الإمارات وأجهزتها إلا أن طلبت الاستعانة بأجهزة الاستخبارات المصرية (التي تمكث إلى اليوم هناك) لتعيث فيها خرابا.
وبعد تلك الزيارة تغيرت الأوضاع وانقلبت رأساً على عقب..فبدأت حملات اعتقالات وتشهير وسجن لجميع من ينتمي لحركة الإصلاح في الإمارات..فسجن عدد كبير.. وضغط على عدد أكبر لترك تلك الحركة وكتابة تعهدات بعدم العودة إليها..وتم فصل المئات من الموظفين من أعمالهم..وحرمان العديد منهم من الترقيات أو إحالتهم للتقاعد الإجباري..ولم تكتف الاستخبارات بهذا الأمر..بل لاحقت الخطباء والأئمة..وأجبرتهم على تلاوة ورقة تُرسل أسبوعيا من وزارة
الأوقاف ليتلوها الشيخ في خطبة الجمعة..ومنعت مكبرات الصوت في الأذان والصلوات (خصوصا في إمارة دبي)..ولوحق الأئمة النشطاء..وأغلقت مراكز تحفيظ القرآن الكريم..والعديد من المراكز الشبابية الهادفة...ومنع العديد من الدعاة دخول الإمارات وعلى رأسهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د.يوسف القرضاوي ود.محمد العوضي وغيرهم كثر..
جانب من الحفل الماجن الذي أساءت فيه التافهة للإمارتيين! |
بينما تم فتح وترخيص إنشاء الفنادق والبارات والخمارات بشكل أكثر من سهل..وتوالت الحفلات الماجنة والخليعة هناك وآخرها ما جرى قبل أيام في حفلة مادونا التي بدأت حفلها بتوجيه الشتم لـ 25 ألف بقولتها (أبناء العاهرة)..ورفعت صليباً كبيراً في الحفل..وامتلأ رقصاتها بالإيحاءات الجنسية المقززة.. وحدثت الكثير من الأمور التي لا تحدث حتى في كثير من الدول الإباحية..بل منح العديد من الإسرائيلين الصهاينة تأشيرات الدخول للإمارات في أوقات قياسية (لم تتعد يوماً واحدا) ومنحوا امتيازات كبيرة ضمن بند (الشخصيات الكبيرة).
واستمر هذا الوضع ما بين مد وجزر..إلى أن تحركت مياهه الراكدة مرة أخرى إبان الثورات العربية وصعود التيار الإسلامي..فخافت العصابة الإستخباراتية في الإمارات من امتداد رياح التغيير إليها..فبدأت بتصعيد الوضع عن طريق جلادها المتعنتر (ضاحي خلفان) الذي بدأ سلسلة افتراءاته كتلميذ للمسجون مبارك باتهام الحركات الإسلامية بأنها لا تريد استمرار حكم شيوخ الخليج وأن ولاؤهم لغيرهم..وأن تلك الحركات تشكل خطراً كبيرا على استقرار دول الخليج..بل وصل به الغرور والكبرياء إلى الإساءة للعلماء وعلى رأسهم الشيخ د.يوسف القرضاوي وطلب القبض عليه.
ومما زاد اشتعال الوضع..قيام ثلة من الدعاة والعلماء والمفكرين المتميزين وعددهم سبعة وهم: د. على الحمادي.. فضيلة الشيخ محمد عبد الرازق الصديق.. د. شاهين الحوسني.. حسين الجابري..حسن الجابري.. إبراهيم المرزوقي..أحمد غيث السويدي..بأن وقعوا على عريضة إصلاحية وجهوها لحاكم الإمارات يطالبونه بإصلاحات تشريعية..وانتخابات صحيحة للمجلس الوطنى.. وأن يؤدى دوره بصلاحيات كاملة دون تدخل من أحد.. أو منع لأحد..فما كان من جهاز الاستخبارات هناك إلا أن عاقب هؤلاء –فقط لأنهم دعوا للإصلاح- بأن سحبت جنسياتهم التي نالوها منذ القدم.. وتم اتهامهم بالخيانة والعمالة..وأجبروا على توقيع ورقة يقرون فيها بذنوبهم.. وبيان يلزمهم بالحصول على جنسية أخرى في غضون أسبوعين..فرفض هؤلاء التوقيع عليها بالطبع..لذا تم سجنهم ورفضت المحكمة أي استئناف بحقهم..وتم نقلهم لمركز احتجاز بوصفهم مهاجرين غير شرعيين.. ولم يكتف جهاز الاستخبارات المتغول هناك بهذا الأمر..بل صعد الوضع وواصل اعتقالاته للعديد من الإصلاحيين..حتى طالت أحد أبناء العائلة الحاكمة في إمارة رأس الخيمة ورئيس جمعية دعوة الإصلاح الشيخ سلطان بن كايد القاسمي وسط ذهول عائلته التي تفاجئة بقوات من الأمن تقتحم منزله وتقوم بتفتيشه قبل اقتياده إلى مكان اعتقاله..ثم احتجز الشيخ القاسمي في إحدى الغرف المغلقة في قصر إمارة رأس الخيمة.
كن أتمنى أن تفطن الإمارات لما يدور حولها..وأن تعتبر مما يجري..ولكن الجهاز الاستخباراتي المتغطرس هناك لم يمنح حكامها فرصة للتفكير..بل نفخ في آذانهم الكذب والافتراء..وإننا نتمنى أن تنصلح حال أخواننا في الإمارات..وأن يهدي حكامهم للصلاح والإصلاح.