منذ أحداث 14 فبراير..ونحن نحلل في الأحداث ونذكر العديد من الحقائق والأحداث.. بداية من التحركات الطائفية لحركة 14 فبراير..مروراً بحالة السلامة الوطنية وما أتبعها من أحداث..وانتهاءً بتقرير بسيوني..وها نحن ندخل مرحلة جديدة الله أعلم بنهايتها.. ولست في هذا المقال بصدد سرد ما جرى أو تحليله.. فقد حللنا وسردنا وبينا من الحقائق بما فيه الكفاية..كما إني لا أرغب في (تفصيص) الأسباب التفصيلية لهذه الأزمة الطاحنة لأننا أسهبنا في تعرية وفضح أصحابها في السابق..وقد عرف الجميع من المخطأ..سواء من جهة النظام أم من تسمي نفسها معارضة ممثلة في الوفاق وأذنابها من أتباع حزب اللات.
غير أني أحببت أن أنحى منحاً آخراً بعد الانقطاع الطويل عن كتابة مقالاتي..وهو اللجوء لإعداد وتنظير الحلول وتحليلها..لأنه البكاء على اللبن المسكوب لا ينفع الآن..فما حدث قد حدث ولله في تقديره شؤون..لهذا أحببت أن أركز في سلسلة مقالاتي التالية حول تأطير الحلول التي نراها قد تسهم في نهضة أهل السنة في البحرين ليكونوا طرفا فاعلاً في المعادلة السياسية في البحرين بعد الصدمات تلو الصدمات التي أصابت هذه الطائفة المهمشة والمغلوب على أمرها.
ولكن قبل التطرق للحلول..علينا أن نحدد أسباب المشكلة الرئيسية (دون إسهاب أو تفصيل-ومن شاء معرفة التفاصيل فليرجع لمقالاتي السابقة).. لأننا نريد أن نضع أيدينا على الجرح الذي سبب القروح الأخرى.. والمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه..لهذا أجرينا استطلاع للرأي على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) شارك فيه حوالي 124 شخصاً من مختلف الأعمار والفئات ومن الجنسين وجلهم من أهل السنة..وكان السؤال المطروح هو (من يتحمل السبب الرئيسي في تخلف أهل السنة؟) وأقصد التخلف بمجمله على الصعيد السياسي والتفرق والتشتت وغيرها.. وكانت الخيارات المطروحة في التصويت هي: 1.الحكومة 2. الشيعة 3. أهل السنة أنفسهم.. وقد جاءت النتيجة كالتالي:
· اتهم 37 شخصاً الحكومة كسبب رئيسي لتخلف وتراجع أهل السنة بنسبة 29.8%.
· اتهم شخصان فقط الشيعة كمسبب لتراجع أهل السنة بنسبة 1.6%.
· اتهم 85 شخصاً أهل السنة أنفسهم بنسبة= 68.5%.
وهذه النسبة أظنها متوافقة مع غالبية شعب البحريني لو وسعنا شريحة التصويت..وهي تعكس الواقع بدرجة كبيرة..ولن أحيد عن ما ذكره المصوتون..بل إن نتيجة التصويت هي ما تعكس وبدرجة كبيرة ما حدث سابقاً.. وتعكس رأي صاحب المقال أيضا..وتنسجم بنسبة كبيرة كذلك مع الواقع الحالي..فأهل السنة أنفسهم هم من يتحمل مسؤولية تراجعهم وتقدم غيرهم عنهم بتفككهم وتفرقهم أولا..ثم بسكوتهم وصمتهم ثانيا ثم بغفلتهم وإهمالهم للواقع الذي يعيشون فيه ثالثا..لذلك هم من يتحل نسبة تخلفهم بنسبة الثلثين أو 70% من أسباب تخلفهم..أما النسبة المتبقية والتي تشكل الثلث المتبقي فهي دور النظام في هذه المشاكل التي ألمت بأهل السنة.. لهذا لا نستطيع أن نغفل الدور الحكومي (الخبيث) منذ السبعينات تحديداً إلى الوقت الحالي الذي عمدت فيه الدولة ممثلة في كبار مسئوليها في تعمد تهميش أهل السنة والخوف من ثوراتهم التي كانت هي الطاغية آن ذلك..وإطفاء نور أي رمز سني يسطع في أوساط الشعب مما أدخلنا في دوامة صراع القيادات وضعفها.. كما لا ننكر دور النظام في تمكين الشيعة من (احتلال) كبريات الشركات الحيوية في البلد حتى باتت تلك الشركات صفوية حتى النخاع..إضافة إلى التساهل المتعمد ضد ما يرتكبه أذناب حزب اللات منذ أكثر من عقد من الآن..علاوة على الفساد الإداري والمالي الذي بات ينخر في أجهزة الدولة حتى نهبت جل الأراضي وضاعت الملايين دون وجود تحرك جدي ورغبة في إجراء إصلاحات جذرية وحقيقية في مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة السياسية والاقتصادية.. هذا إن نظرنا للأسباب المادية والدنيوية لما جرى..ولا نستطيع أن نغفل بالتأكيد الأسباب المعنوية المرتبطة بالدين كانتشار الفساد والفجور والكفر بنعم الله تعالى لتتحقق النتيجة المعروفة وهي زوال الأمن وضرب الفقر.. التي جاءت في قوله تعالى ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)).. فهي سنن ونواميس إلهية معروفة يبتلي الله البلد حتى يعودوا لدينهم.
وعلاج الأسباب الأخروية أو المعنوية معروف..فهو يتحقق بإرادة فردية من كل فرد لإصلاح نفسه..ثم ينتقل للنظام الذي عليه صد تلك المنكرات من ظلم وسوء توزيع للثروات ونهب لخيرات البلد على المستوى الاقتصادي..وفساد أخلاقي وفجور على المستوى السياحي..وغيرها من الأمور..أما حول الأسباب المادية أو الدنيوية فهي ما نريد التركيز عليه في مقالاتنا اللاحقة بإذن الله.
ونستطيع بعد هذا أن نقول بأننا قد وضعنا يدنا على الجرح..وعرفنا موطن الخلل وحللناه..وتبقى لدينا الآن مسؤولية كبرى تتمثل في علاجه ووضع المصل الواقي لعدم تكراره..وسنبدأ بالسبب الرئيسي..وهم أهل السنة الذين يتحملون هم مسئولية ما جرى لهم بالدرجة الأولى.. وللتعرف أكثر على مكامن الخلل المتعلقة بأهل السنة طرحنا سؤالاً آخراً على المغردين في التويتر حول أهم المشكلات التي يعاني منها أهل السنة شارك فيه ما يقارب العدد السابق.. وكانت الأسباب التي ذكرها المغردون هي كالتالي (ترتيب المشاكل حسب الأغلبية):
1. الفرقة والتفكك.
2. عدم وجود القائد (المرجعية).
3. السكوت والتطبيل والمولاة الزائدة.
4. التهميش الحكومي لأهل السنة.
5. الدخل المتدني.
6. ضعف التحصيل العلمي والوعي السياسي.
7. الغفلة.
وهي مشكلات وأسباب تعكس كذلك وبدرجة كبيرة الواقع الذي يعيشه أهل السنة في البحرين..فمشاكلهم أكثر من أن تعد..وهمومهم أكبر من تحصى..وحالهم لا يعلمها إلا الله وحده..والمشكلات التي ذكرها الأخوة المغردين قد لامست الواقع..وضبطت البوصلة..وحددت الجروح.. والترتيب المذكور هو الصحيح بنسبة كبيرة أيضاً..غير أننا سنقسم ونرتب ونحدد هذه الأسباب والمشاكل بصورة أكبر وأكثر تنظيماً حتى نستطيع أن نحلل ونحل كل مشكلة على حدة..بالإضافة لرغبتها في أن نستوعب أهم المشاكل لضمها داخل سلة المشكلات الموجودة.
وفي ظني بأن مشاكل أهل السنة وأسباب تخلفهم تعود لأسباب رئيسية وأخرى فرعية.. سميتها بثلاثية التخلف التي يتفرع منها ثلاثيات أخرى..نكتفي بسردها اليوم على هيئة نقاط... ونؤجل معالجتها للمقالات التالية بإذن الله.
أولا: ثلاثية الهوية
وهي المشكلات الجذرية التي يعاني منها أهل السنة..والتي تراكمت على مدى الزمن وكان لها الدور الأكبر في تراجعهم وتخلفهم على جميع الأصعدة..والتي لها هي الأخرى أسباب جعلتها تطفوا على السطح.. وهي المشاكل التي إن نجح أهل السنة في حلحلتها..ستتحرك المشكلات الأخرى الأقل تعقيداً.. وهي على ثلاث صور:
المشكلة | النتيجة |
افتقاد القضية | ضعف مستوى أهل السنة العلمي والثقافي |
افتقاد المرجعية | تشتت وضياع |
افتقاد التنظيم | تفكك وفرقة ثم تخلف |
وهناك مشكلات أخرى تعتبر تبعاً لهذه المشاكل..وهي:
ثانيا: ثلاثية الخوف
وهي ثلاثية نشأت تبعاً لثلاثية الهوية..وهي مفاهيم وأفكار نشأ وتربى عليها شبابنا ورضي بها..وأصبحت جزءً من تربيته وصفاته..وترتبط ببعض الأفكار والرؤى والمفاهيم التي يجب أن تتغير..وهي:
المشكلة | النتيجة |
الخوف والسكوت والرضا بالواقع المر | مزيداً من الظلم |
الموالاة الزائدة وافتقاد فقه المعارضة | فئة مضمونة لا تحتاج لإرضاء |
الغفلة والإهمال | تقدم الآخرين |
وهناك ثلاثية أخرى مرتبطة بالمشاكل المرتبطة بسلطة ونظام الدولة ودوره في تخلف أهل السنة..وقد ساهمت هذه الثلاثية في زيادة تخلف وتراجع أهل السنة من جميع النواحي.. وأسهمت (قصداً وبدون قصد) في تفكك وضعف أهل السنة....وهي:
ثالثا: ثلاثية المظالم
المشكلة | المظاهر | النتيجة |
السياسة الإقصائية | التهميش +تفكيك القوى السنية | إحباط ويأس |
السياسة الإرضائية | إرضاء الآخرين لحساب مصالح فئوية وشخصية | غضب شعبي |
السياسة الاقتصادية | الفساد+سوء توزيع الثروات+مستوى دخل متدني+ملف إسكاني بطيء | مزيداً من التعب والجهد الضائع |
كما إننا لا نستطيع إغفال الوضع الإقليمي والدولي والعالمي الذي يحيط بنا..والذي ترتبط به أحداث البحرين ارتباطاً وثيقاً جدا كونها تشكل خطاً نفطياً معتبراً يمر في مياهها الإقليمية 35% من نفط العالم.. وهي التي أسميتها بثلاثية الوضع الإقليمي..وهي:
رابعا: ثلاثية الوضع الإقليمي
المشكلة | النتيجة |
المشروع الإيراني | تغول واختراق |
التعصب الطائفي الشيعي | خلل طائفي وبنيوي |
اختفاء المشروع السني المضاد | تراجع |
وفي ظني بأن مشاكل السنة لا تخرج مما ذكرناه..وهي مشاكل يعلمها الكثيرين..وبحاجة لجهد وعمل مضنٍ لعلاجها..ونحمد الله أن هناك إرهاصات إقليمية وعربية قد تساعد في حلحلة هذه المشاكل..كما نحمد الله على ظهور جيل من الشباب البحريني المخلص الذي يأبى بالذل والهوان والتخلف والتراجع..لهذا خرج هذا الجيل في الفاتح ليصدح بالحق ضد من يحاول العبث بأمن الوطن..وضد من أفسد فيه.. وهو من نعلق عليه الأمل في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب ليتحقق التغيير المنشود الذي يحتاج لتخطيط وتنظيم وأمور كثيرة سنتحدث عنها في المقالات التالية بإذن الله تعالى.
رســـــــــائل مـــــــهـــــمـــــــــــــة
للأسف نقَلَنا البعض لأحلام وردية وأوهام خفية لمرحلة ما بعد تقرير بسيوني..فصور لنا أن البحرين ستصبح جنة وسيقضى على الفتن و .. و.. و .. والآن تبين بأن هذا كله خدعة وسراب..وأن انتظارنا لتقرير بسيوني كان لصالح حماية أشخاص محددين من الإدانة..وهذا ما حصل.. بينما بقي الوضع الأمني والإصلاحي على ما هو عليه.. وهي بالتأكيد سيزيد من الشحن النفسي السني في المرحلة القادمة.
· تجمع صحوة الفاتح
كم سررت عندما أبى شباب البحرين الأوفياء التهميش ورفضوا السياسات الحكومية الغريبة.. والتنازلات المريبة من الدولة لما يجري اليوم..لقد خرج شباب الصحوة اليوم ليعلنوها قوية أمام الملأ بأن البحرين قوية بشبابها..وشبابها موجودون يأبون الذل والخنوع.. نعم إننا نحتاج لمن يضغط على الدولة باستمرار..نحتاج لفئات لا تهدأ إلا بتحقيق أهدافها الخادمة للوطن.. ونلوم من سكت وخنع ونلوم من يدافع من الدولة ويتذرع باتفاقياتها الدولية التي أصبحت طعماً جديداً تلقيه الدولة وطبالتها لنا لنبتلعه ونسكت عن التنازلات التي تقض مضاجعنا يوماً بعد يوم...نحن نعلم بأن هناك ضغوط كبيرة على الدولة..ونعلم بأن هناك أطرافاً إقليمية تتدخل في أوضاعنا..لكن هذا لا يعني التسليم بكل شيء..والتلاعب بالأرواح والأمن على حساب الكرسي والبقاء في السلطة..فإن كانت الدولة تريد حلحلة الأوضاع فلتحل المشاكل الأمنية أولا..ولتحرك الملفات الإقتصادية ولتزد الرواتب ولتبن بيوت الإسكان بأعداد كبيرة وأحجام معقولة..ولتعد الأراضي المنهوبة ولتقض على الفساد كعربون لحسن نواياها تجاه شعبها.
إن أمام هذا التجمع الصحوي الشبابي والمتحمس تحديات كبيرة..حيث إن هذا التجمع تجمع شبابي مستقل حديث النشأة يفتقد للخبرات المتراكمة التي تغذيه ويحتاج للاستمرارية والحماس لكي يقف على قدميه وينهض..أضف إلى ذلك وجود أعداء كثر ظهروا منذ تجمعهم في الفاتح..علاوة على عدم رغبة الحكومة في تشكل مثل هذا التجمع الذي يعارض تحركاتها علناً.. وأبشر أفراد هذا التجمع بأن النظام يراقب تحركاتهم ويحاول إسكاتها كدليل على قوة التحرك.
· نقض حكم الإعدام
وتستمر تنازلات الدولة تجاه من خرب ودمر البلد.. فهي سلسلة لا تنتهي ولن تنتهي..فالأمر كان متوقعاً..وقد قلناها سابقا..سيلغى حكم الإعدام..وسيحول للمؤبد الذي يصل في أكثره إلى (18 سنة فقط)..ثم سيصدر عفو ملكي خلال بضعة سنين.. فها هي محكمة التمييز تنقض الإعدام وترجع الدعوى لمحكمة الاستئناف العليا في معركة حرق أعصاب تمارسها الدولة لإعطاء أكبر فترة ممكنة أملا في فتور أهل السنة وامتصاص غضبهم.. وهذا هو قضاؤنا وللأسف..قضاء مسيس..يتدخل فيه من يشاء..فإن كان بسيوني نفسه ذكر في توصياته (تخفيف أحكام الإعدام) رغم أن هذا ليس من شأنه وليس من حقه.. فلا نستغرب من أن تتدخل أطراف أخرى في الأحكام.. وأولها القيادة.. لهذا نعلنها بأن قضائنا وللأسف أصبح قضاءً(غير مستقل).
د.حسن الشيخي | |
10 يناير 2012 | |
الإيميل | |
المدونة | |
تويتر | @hasanshiakhi |
· الخديعة الكبرى (تقرير بسيوني)